العمارة العثمانية الهندسة والتصميم المعماري المُميّز للإمبراطورية العثمانية، وظهر هذا الطراز في مدينتي بورصة وأدرنة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. طورت من العمارة السلجوقية السابقةِ وتُأثّرتْ بالعمارة الإيرانية، وإلى أكبر مدى تأثرت بالهندسة العمارة البيزنطية، بالإضافة إلى تقاليد المماليك الإسلامية بعد غزو العثمانيين لتقريباً 500 سنة. الأعمال البيزنطيةِ المعمارية مثل كنيسة آية صوفيا أُخذت كنماذج للعديد من المساجد العُثمانية. الهندسة المعمارية العُثمانية وُصِفت كتجانس التقاليد المعمارية للبحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.
أتقن العثمانيون تقنيةَ فراغاتِ البناء الواسعةِ الداخليةِ التي انحصرت بالقبب الهائلةِ لحد الآن عديمة الوزنِ على ما يبدو والتي تنجز انسجام مثالي بين الفراغات الداخلية والخارجية بالإضافة إلى الضوء والظلِّ الموضوع. الهندسة المعمارية الدينية الإسلامية التي حتى ذلك الحين شملت البنايات البسيطة بالزينة الشاملة، حوّلت من قبل العثمانيين من خلال مفردات معمارية ديناميكية مثل المدافن والقبب.
تشهد العمارة العثمانية على عبقرية مبدعيها الذين استطاعوا التوفيق في أعمالهم بين الدراسة الإنشائية والدراسة المعمارية بانسجام عضوي متكامل ودون أن ننسى أهمية المنشآت السابقة للعصر العثماني. فإن عام 1453م الذي حقق فيه محمد الفاتح فتح القسطنطينية، كان بداية لتكون عمارة عثمانية تطورت بسرعة، ووصلت قمة الإبداع والتصميم على يد المعماري سنان الذي رافق خمسة من السلاطين العثمانيين، وأنشأ في عهدهم عدداً كبيراً من المنشآت وصل إلى 364 بناء موزعة في أراضي السلطنة أهمها المساجد الكبرى، مثل: السليمانية في استانبول، والسمية في أدرنة مما عرضه المؤلف في هذا الكتاب بتحليل دقيق واضح، مع غيرها من منشآت سنان العظيم الذي أطلق عليه اسم “دافنشي المسلمين”.
يشير عنوان هذا الكتاب إلى نية البحث في عمارة المساجد العثمانية، وقد قدم المؤلف كتابه بلمحة عن أقسام عمارة المساجد وعناصرها، ثم ابتدأ في الفصل الثاني حديثه عن بداية المساجد العثمانية وعن أثر الطابع البيزنطي في المرحلة الانتقالية، ونجاحه في اقتباس القباب التي تغطي حرماً واسعاً مع تحاشي الأعمدة الحاملة التي تفسد رحاله الفضاء الداخلي للحرم.
ثم توقف للبحث عن عبقرية المعماري سنان وإنجازاته الرائعة. ومن حسن حظ سورية أن المعماري سنان الذي قد رافق السلطان سليم في تقدمه في سورية ومصر، واطلع على العمارة القائمة في هذه الأقطار العربية، تفتقت قريحته الإبداعية في تصميم أول أعماله المعمارية عام 1537ك في بناء مجمع الخسروية في حلب، والمؤلف من مسجد ودار للمرق ومدرسة ودار ضيافة وحمامات. ولجأ في تخطيط المسجد إلى شكل الحرف (T) المقلوب بقصد زيادة المساحة في الجانبين، وبهذا نجح سنان في تقديم مجمع ذي وحدة معمارية متكاملة في حجومها وفراغاتها، منسجمة مع البيئة والموقع.
لقد تجاوز سنان براعة مصمم أيا صوفيا في تخطيط المسجد ذي نصفي القبة في مجمع السليمانية الذي يشتمل على 18 مبنى عدا الأضرحة. وفي أدرنة استطاع سنان أن يجمع في جامع السليمية كل ابتكاراته، مما جعل هذا المبنى رائعته الخالدة بهيبته المتمثلة بقبته الواسعة التي تفوق قبة أياصوفيا اتساعاً. ولكن تبقى قبة السليمانية أكثر تعقيداً وعنواناً لعبقريته في تصميم القباب.
لقد كتب الكثير عن عمائر العثمانيين التي تمتاز بخصائص معمارية فذة، أصبحت نموذجاً يقتدى في أنحاء السلطنة العثمانية وبخاصة في سورية.
وفي هذا الكتاب لخّص المؤلف الحديث عن روائع المساجد العثمانية بأسلوب رشيق واضح، مما يسهل على القارئ الإطلاع على خصائص هذه العمارة التي مازالت ماثلة، وبخاصة في استانبول، وقليل منها في دمشق التي تزهو بعمارة التكية السليمانية بوصفها واحدة من أعمال المعماري سنان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق